عتبر ظاهرة إهداءات الكتب بين المؤلفين ظاهرة تستحق النقاش، لجهة معرفة مآلات هذه الكتب، وما إذا كانت تحظى بأولوية القراءة، وهل تحفز هذه الإهداءات على الاتصال المباشر بين الكتّاب، وتصبح نافذة لتبادل الحوارات والتعليقات والآراء النقدية والثقافية؟
يرى كثير من المثقفين في الإمارات، أن إهداءات الكتب ظاهرة تحتفي بالمنجز الأدبي، غير أن بعضهم يقدم رأيه في الكتاب المهدى إليه بناء على طلب شخصي من المؤلف، فيما يكتفي البعض الآخر بقراءة تلك الكتب والاستمتاع بها
تقول الشاعرة الهنوف محمد، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، نائب الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب: «أتعامل بجدية مع الكتب التي تهدى إليّ وهي ذات تقدير كبير عندي، فأنا أحرص على متابعة تطور هؤلاء الكتاب، وهذا يشعرني بسعادة غامرة، غير أني لا أحبذ تقديم آراء نقدية أو ثقافية في مثل هذه الكتب»، وتضيف: «ما يهمني أكثر هو القراءة الهادئة التي أتعرف من خلالها إلى شخصية الكاتب، وهذا يمنحني متابعة المنحنى الذي وصل إليه الكاتب، وفي مثل هذه الممارسة أكون على مسافة واحدة من الجميع، والحقيقة أنني أتحرج كثيراً من تقديم أية ملاحظات نقدية في الكتب المهداة، تاركة مثل هذه القراءات للنقاد والمختصين»
علاقات
يرى القاص إبراهيم مبارك، أن إهداءات الكتب ظاهرة ثقافية جميلة، وبالنسبة له فهو يولي هذه الإهداءات عناية كبيرة، وخاصة الرواية، ويحرص من حيث المبدأ على قراءة إهداءات الكتاب والمعارف القريبين منه، ومن ارتبط معهم بعلاقة زمالة أدبية، ثم يأتي في المرتبة الثانية الكتّاب الذين لا يعرفهم أو تعرف إليهم لأول مرة
وإبراهيم مبارك يحرص على تدوين ملاحظاته الشخصية على تلك الكتب، من خلال ما يخطه بقلمه على صفحات الكتاب ك«هامش» يرجع إليه ويقتنع بجدواه الثقافية والفكرية، وهو لا يحبذ كتابة أية ملاحظات نقدية من خلال الاتصال المباشر مع الكاتب، ذلك لأن له وجهة نظر خاصة لها صلة بحساسية النقد الذي يسبب الحرج في كثير من الأحيان؛ حيث يوضح بقوله: «كانت تربطني علاقة قوية جداً مع القاص الراحل ناصر جبران، وهو الوحيد الذي كنت أقدم له ملاحظاتي النقدية والفنية، وبعد رحيله، فقد توقفت عن كتابة ملاحظاتي عن كافة الكتب المهداة لي»
مذاق خاص
تقول الروائية فتحية النمر: «من المؤكد أن الكتب التي أحصل عليها مزينة بإهداء أصحابها لها معنى ومذاق خاص عندي، فهي تعني أن الحروف البسيطة والقليلة في عددها والكبيرة في معانيها، تمثل جسراً للتواصل الاستثنائي بيني وبين المؤلف، لذا فإنني أقرر أن أجعلها في مقدمة الكتب التي تنتظر دورها عندي في القراءة، فالكتاب يحتل مكانة بارزة عندي، ويدرج ضمن البرنامج اليومي الذي أمارسه منذ فترة بعيدة»
وتتابع النمر: «هذا يحصل عندما تكون الكتب المهداة روايات أو دواوين شعر، أما في الموضوعات الفكرية والثقافية المختلفة، فتأتي في المرتبة الثانية بعد الرواية»
وتؤكد النمر، أن مكتبتها مملوءة بكتب ومنشورات لا تحصى من هذه الإهداءات، وتقول: «لا أخفي فرحتي بهذه الكتب عندما تقع بين يدي، ذلك لأني أتصور الحالات والهواجس التي أصابت مؤلفي هذه الكتب حال تأليفها، وأشعر حيالها بالتعاطف كأنها تأخذ مني عهداً داخلياً، وميثاقاً بأنني لا بد وأن أتواصل مع كاتبها، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كال «الواتس آب» و«الإيميل» و«الفيسبوك» وهنا أكتب رأيي بصراحة في الكتاب وهو ينطوي على تقرير أو نقد»
وتضيف: «ومثلما أفعل بالكتب المهداة إليّ، أتمنى أن يتعامل الكتّاب الآخرون مع كتبي وإهداءاتي بذات الطريقة»
لقد تعرفت فتحية النمر كما تؤكد ومن خلال هذه الإهداءات إلى الكثير من الكتّاب والكاتبات، والعديد من الأعمال الروائية تحديداً، وهذه الإهداءات تعتبرها نصوصاً صغيرة موازية للنصوص الكبيرة، أرشدتها لمكانة الكاتب، ولنوعية كتاباته، ومستوى إبداعه، وهي تحب البصمة الخاصة للمهدي، ولا تحب الإهداء العادي مثل (قراءة ممتعة وتحياتي) وتقول: «أنا أحب أن أسبر عمق الكتابة، وروح الكاتب من خلال الإهداء، وهذا حصل ويحصل كثيراً»
تبادل معرفي
القاصة نجيبة الرفاعي عبرت عن تفاعلها الكبير بالكتب والإصدارات المهداة، وقالت: «أقدر كثيراً هذه الإهداءات التي تأتي من الزملاء، فهي تمثل تقديراً لشخصي، وأنا بدوري أشارك الطرف الآخر فرحته بإصداره، وفي الحقيقية أقرأ غالبية هذه الإصدارات، حين يكون لدي متسع من الوقت، أقرأها وأرد على بعض هذه الكتب، إذا كانت هناك ثمة علاقة قريبة مع صاحب الإهداء كرقم الهاتف، وأتواصل معه مباشرة»، وتضيف: «لكن هناك من الكتّاب من ينقطع التواصل معهم، لسبب أو لآخر، وهؤلاء أقوم بتدوين ملاحظاتي الفنية على إهداءاتهم في مدونتي عبر «الإنستجرام» والبعض للأسف لا أتمكن من التواصل معهم، وبشكل عام أحب كثيراً هذا النوع من الإهداءات، لأن في ذلك نوعاً من التبادل المعرفي والثقافي»
تقدير
الروائي محمد الهاشمي، ينظر إلى موضوع إهداءات الكتب بنوع من التقدير، وهو يهتم بهذه الكتب، خاصة إذا وجد فيها شيئاً لافتاً، وليس موجوداً في غيرها من الكتب، وهنا يستوقفه على الفور «عنوان» الكتاب، ويقول: «في هذه الحالة أحرص على الاتصال مع صاحب الكتاب وإبداء المشورة الأدبية، وأنا في الغالب لا أسعى لتقديم رأيي الخاص في معظم الكتب المهداة، فثمة حساسية مفرطة في الأمر، غير أنني أقوم بذلك إذا طلب مني أحد الأصدقاء الكتاب، وأصر على تقديم رأيي النقدي أو مشورتي الأدبية». ويتابع: «أحياناً أقدم مشورة أو نصيحة أدبية أقتنع بجدواها في بنية الجنس الأدبي، خاصة إذا كان في الرواية، وبخلاف ذلك، فلا أميل إلى هذا الإجراء وأكتفي بقراءة الكتاب والاستمتاع به إذا كان يستحق ذلك
المصدر : صحيفة الخليج